
الحج المقبول والمبرور (الجزء الثالث)
بِوَصْفِها عبادةً شعائرية، فإن للحج شروطًا، وأركانًا، وواجبات، وسُننًا، ومحرّمات، يجب على كل حاج أن يعتني بها ويؤديها بجدٍّ وإخلاص
صرّح وزير الشؤون الدينية البروفيسور الدكتور نصرالدين عمر، حفظه الله، بأن أداء الحج ينبغي أن يُسعى فيه لنَيل القبول (المقبول)، وفي الوقت نفسه البِرّ (المبرور)، وذلك في الاجتماع التنسيقي الوطني بتاريخ 22 أبريل 2025م.
يُسعى إلى الحج المقبول من خلال الالتزام الكامل بجميع الأركان والشروط والواجبات والمحظورات. وأما الحج المبرور فيُسعى إليه ببناء التزام قوي للإصلاح والتغيير بعد الرجوع من أداء الحج.
ومن خلال التركيز على هذين الجانبين، يتوجب على جميع الجهات المعنية بالحج — سواء الحجاج أنفسهم، أو المرافقين، أو المرشدين (المطوّفين)، أو الداعمين، أو الحكومة، أو شركات السفر والسياحة — أن يُعيروا اهتمامًا لكل ذلك، سواء أثناء أداء المناسك أو في تعزيز الالتزام بالإصلاح بعد العودة من الأراضي المقدسة.
بعبارة أخرى، يجب أن تشمل الاستعدادات لأداء الحج كلا الجانبين معًا.
وتزوّدوا، فإن خير الزاد التقوى
يقول كثيرون إن الحج عبادةٌ بدنية، ولذلك يُشدّد كثيرًا على الاستعداد البدني: من صحة، وسكن، وطعام، ودواء، وتجهيزات أخرى.
وقد أُعِدّ الموظفون بعناية. وتُشرح الأركان والشروط والواجبات والمحظورات مرارًا أثناء دورات المناسك (المناسك التعليمية)، كما يُعدّ المرشدون والمطوّفون أثناء التواجد في الأرض المقدسة.
ولتحقيق الخشوع في أداء الحج، يُنهى الحجاج عن الفسوق والرفث والجدال، كما جاء في قوله تعالى:
﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197].
كل هذه الجهود تُبذل كي يكون الحج مُيسّرًا ومتوافقًا مع أحكام الفقه، ويُرجى قبوله عند الله.
ولكن ماذا عن الحج المبرور؟
كما ورد في الآية نفسها:
﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197]
فإن خير ما يتزوّد به الحاج هو التقوى. لذا، ينبغي أن يكون ذلك محل عناية رئيسة، ويُشدَّد عليه ويُبذل فيه الوسع من قِبَل جميع الأطراف.
بالنسبة للحجاج، يمكن فهم الاستعداد للتقوى والعمل بها من خلال ترسيخ النية الخالصة والطاهرة، بأن حجّهم لله وحده لا شريك له، لا من أجل الرياء، أو الحصول على ألقاب، أو منصب، أو مال، أو مصالح دنيوية أخرى، بل هو خضوعٌ وامتثالٌ وإخلاصٌ لله وحده.
قال الله تعالى:
﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].
أما موظفو الحج من القطاعين العام والخاص الذين يخدمون الحجاج، فينبغي أن يتخذوا من التقوى أساسًا لخدمتهم، ويفهموا أن أداءهم لمهامهم هو عبادةٌ لله ومساعدةٌ لعباده في سعيهم إلى القُرب منه، لا مجرد سعيٍ وراء الرواتب والمنافع.
أما شركات السفر والسياحة المنظمة للحج والعمرة، فينبغي أن تجعل من التقوى جهادًا في خدمة عباد الله، وأن تسهم في توعية الحجاج وشرح معاني كل شعيرة من شعائر الحج.
الفهم والوعي بمعاني الحج
إن الفهم الواعي لمعاني مناسك الحج هو ما ينبغي أن يكون محل العناية القصوى، وخاصة من قبل الشركات ومراكز التوجيه الديني، لأنه يرتبط مباشرة بكيفية تطبيق معاني الحج في الحياة المهنية، والتنظيمية، واليومية، بعد العودة إلى الوطن.
شعائر الحج وتكوين الذهنية
بوصفه عبادة شعائرية، فالحج له شروط، وأركان، وواجبات، وسُنن، ومحظورات، ينبغي على كل حاج أن يلتزم بها بدقّة. ومع ذلك، فإن الحج أيضًا عملية لتشكيل الذهنيّة والشخصية.
منذ النية، ثم الإحرام، والتروية، والوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة ومنى، ورمي الجمرات، والطواف، والسعي، حتى الحلق أو التقصير، كلها مراحل لتكوين ذهنيةٍ جديدة.
ولا شك أن الذهنية التي يُنشئها الحج تتوافق مع فطرة الإنسان. بل أكثر من ذلك، فإنها مفاتيح للنجاح في الحياة المهنية.
لذلك، لا بد من استخراج المعاني من كل مرحلة من مراحل المناسك وربطها بالحياة العملية، حتى تكون بعد العودة طريقًا لتجسيد البرّ الذي هو ثمرة الحج المبرور.
من خلال التركيز على أداء المناسك بخشوع وتكوين ذهنية مهنية، سيتجنّب الحاج الوقوع في مصائد الحج، مثل:
- “الحاج المادي”: الذي دافعه الأساسي هو جمع المال؛
- “حاج السّياحة”: الذي يرى الحج فرصة للسفر والتسوّق والاستجمام؛
- “الحاج المُستعرِض”: الذي يحج فقط لأجل الصور والتباهي والمديح؛
- “حاج الأغراض”: الذي يحجّ من أجل هدفٍ خاص، كالتخطيط لانتخابات، أو إنجاح مشروع، أو الترقية.
الخاتمة
ينبغي لأداء الحج أن يشمل البُعدين معًا: القبول (المقبول)، والبرّ (المبرور).
القبول من الله، والبرّ هو ما يُثمره الحج في سلوك الحاج بعد عودته إلى وطنه.
ومن ثم، لا يكون الحج عند الحاج مجرد شعيرة، بل مسارًا لبناء ذهنيّة ووعي جديد.
﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
ليجيسان سامتافسير، مؤسس حركة “إندونيسيا مبرورة”، والرئيس العام لـ “الحركة الوطنية لإندونيسيا المجيدة